واقع المشرق العربي بات مسخرة في العالم

إسماعيل القاسمي الحسني
لم يعد لدي شك بأن أغلب الإخوة في المشرق العربي، قد حال غبار الحروب التي أشعلوها، دون إمكانية نظرهم لحالهم، ودخانها الذي يرتفع من كل زاوية وزقاق، حجب عنهم رؤية واقعهم المزري والمتهالك، ويعكس هذه الحالة المأساوية والمحزنة في آن، كتّابً يُحسبون على دوائر صنّاع القرار لدى الأنظمة، وخبراء (استراتيجيين) معظمهم من أجهزة استخباراتها، لا يقتصرون على التمهيد لشن حروب داخل بلدان المشرق أوعليها، والتعبير المبتذل عن نشوة القوة التي يستشعرونها، حتى وإن كانت مجرد قوة متوهمة، بل يجتهدون في نقل لهب الحروب التي لا يكتوي بنيرانها، سوى عامة الناس وضعفائهم على وجه الخصوص، إلى كل زواريب الشرق الأوسط، لتطال كل بيوته وتصيب معظم أهله؛ ولكم يعجب المتابع من خارج هذا المشهد الدموي المأساوي، وحالة التخريب والتدمير غير المسبوقة، لاستعراض صُنّاع الرأي والقرار “الزهو” الظاهر عليهم، بعد كل عملية توسع من رقعة الانهيار. ويزيد عن عامل الغبار والدخان ارتفاع صوت الطبول التي تقرع، مصحوبا بالتصفيق والزغاريد، ما صمّ آذان الأشقاء عن نداء التعقل والحكمة، بل أصبح هذا النداء مستهجنا في أعراس التقتيل الفاجرة، وغريبا شريدا في حفلات الرقص الماجن على جثث المستضعفين.
استكملت دورة الحروب في المشرق العربي، التي بدأت عام 1980 تحت شعار “العدوالأول والأصيل هوإيران”، ولم يكن إضرامها بمحض الصدفة، فقد جاء مباشرة بعد اتفاقيات الاستسلام بين مصر وكيان العدوالإسرائيلي، واللافت في تلكم المحطة أن ذات الأنظمة بالشرق الأوسط، التي غمّت الوعي الجمعي -تماما كما يحدث اليوم- بخطر التمدد الإيراني، لم يعني لها شيئا تمدد كيان العدوالإسرائيلي واحتلاله لبنان وسيطرته الميدانية الفعلية على عاصمة عربية اسمها بيروت 1982، لم تلتفت القيادات حينها لهذا الخطب العظيم ولا لأسبابه، بل واصلت في صلف مستغرب حربها على إيران، ما ناب لبنان من الأشقاء العرب ذرة من النخوة العربية التي صبت بمجملها ضد طهران، وحين تدخلت الجزائر من المغرب العربي، وكادت أن تنجح لما لها من سابقة في الوساطة بين إيران والعراق، أسقطت طائرة وزير خارجيتها الذي كان لحظتها، في سعي نحوتحقيق إعادة بوصلة الحرب نحوالعدوالحقيقي، ودفعت الجزائر ثمنا باهظا بخسران أرفع أطقم الدبلوماسية، ليس على مستواها فحسب وإنما ودون مزايدة على مستوى العالمين العربي والإسلامي؛ ولم تتنفس الأمة من تلكم الحرب الطاحنة التي استنزفت ما لا يمكن عرضه هنا، فما توقفت عام 1988 حتى أضرمت ثانية 1990 ليس مع جبهة العدوالمتوهم ولا الأصيل، وإنما على العراق نفسه من بوابة تحرير الكويت، لا شك أن العناوين التي يرفعها صُنّاع الحروب شرعية شكليا على الأقل، ولكن لا شك أن أهدافها خلاف ذلك؛ وتم احتلال دولة عربية قوية وتدميرها بشكل كلي، بعد حصار إجرامي مخالف لكل القوانين والشرائع، حصد أكثر من مليوني مواطن عربي، ولم يتوقف جنون الحرب والتعطش للدماء حتى بلغ الأمر احتلال العراق 2003 بشكل مباشر، الذي حصد ثانية مليوني مواطن، وتعرض لفضائع الكل يعرف تفاصيلها، ستبقى تداعياتها وكلفتها لعقود قادمة؛ ولا يفوتني هنا أنه قبل التشريع لإسقاط العاصمة بغداد، واستقدام نصف مليون جندي أمريكي لتحقيق هذا الهدف العظيم، قامت نفس الأنظمة بطرح ما أسمته “مبادرة السلام العربية” على أعتاب العدوالإسرائيلي؛ وقبل أن يرفع الاحتلال عن العراق، أعلنت ذات الأنظمة في مشرقنا العربي الحرب على دولة عربية أخرى وهي ليبيا، ثم انتقلت بعد البروفات إلى مسرح سورية، ليشاهد العالم فنون تدمير بلدين عربيين تجاوزت أبعاد الخيال الهوليودي، ولا شك أن شعارات الحرب ظاهرها شرعي شكليا كذلك، إلى حد يتقبله رأي العامة.
استكملت كما أسلفتُ، دورة الحروب حلقاتها اليوم في اليمن، لكن عودا على بدء عند المربع الأول الذي انطلقت منه “العدوالإيراني”عام 1980؛ ولن أدخل هنا في تناقضات تفاصيل سياسات الأنظمة في المشرق العربي، التي آلت على نفسها وتخصّصت في إشعال الحروب البينية، سواء تلكم التي تعنيها هي كأنظمة تقوم على حكم الفرد، وهي تحارب وفق شعاراتها الحكم الفردي في جوارها، أوتحريمها لكل مفاهيم وقواعد الديمقراطية داخلها، في حين ترفع عناوين الدفاع عنها في دول أخرى، ولا اعتبارها لمعارضة هنا حراكا شعبيا مشروعا، يستوجب الدعم بالسلاح والمال والتغطية السياسية، وهناك مجرد ميليشيات متمردة خارجة عن سلطة الدولة يقتضي الأمر إعلان حرب عليها بآلة عسكرية جهنمية؛ وإنما نقف على المشهد العام الذي يمكن تلخيصه في دمار أربع دول عربية، وتخلف المنطقة ككل لعقود إلى الوراء، في حين أن إيران هذه انتقلت إلى مصاف القوى النووية، وباتت تنافس الدول المتقدمة في الصناعة المدنية والعسكرية، وجامعاتها تزاحم أشهر الجامعات في العالم، وإنتاجها العلمي والمعرفي والأدبي من السخافة أن يقاس به حال العالم العربي كله؛ فضلا عن امتلاك عقول أبنائها لناصية التكنولوجيا، في حين توسعت أكثر رقعة الأمية والتخلف في دول المشرق العربي. وكم هومضحك حد السخرية أن يُنظر لإيران هذه الدولة العريقة، وشعبها الضارب بجذوره في عمق تاريخ البشرية، من الزاوية الطائفية حصرا، وواقع الحال أن الدول العظمى بنخبها ينظرون إليها، من زوايا متعددة أخرى لا علاقة لها بالعقيدة الدينية، زوايا العلم والمعرفة والاقتصاد والتطور التكنولوجي وغيرها من مفردات تُغيّب عن قصد أوجهل من قواميس القوم.
لا يريد الأشقاء أن ينظروا إلى واقع حالهم البائس، ولا يقبلون رؤية غيرهم لهم من خارج دائرة رحى الحروب التي ينتشون بغبارها سكارى وما هم بسكارى، بل يفرّون إلى اعتبار موضوع المقال دفاعا عن إيران في ألطف صياغة، أودفاعا عن الشيعة والصفوّيين والفرس وغيرها من مفردات، استدعوها من بطون تاريخ مظلم غابر طوته القرون، فضلا عن كون رسول هذه الأمة كان قد طواه أمرا واجب الطاعة والتنفيذ؛ ويغفلون في استكبار مذهل أنهم هم من فرض إيران على الموضوع وليس الكاتب، باعتبارها العدوالوحيد للدول العربية، مع أنه لا يستقيم في ذهن عاقل وإن سلّم بأن إيران تحتل فعليا عواصم عربية، إعلان الحرب عليها في حين أن هناك دولة فلسطين العربية محتلة فعليا وواقعا من قبل العدوالإسرائيلي من البحر إلى النهر، و تستعمر عاصمتها المقدسة القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين، وتصر أنظمة المشرق على حرب الأولى، وتتمسك بمبادرة السلام مع الثانية !!!!! لا يستقيم إعلان حرب لفرض شرعية رئيس في اليمن، في حين أن الشهيد ياسر عرفات رمز الثورة الفلسطينية ورئيس شرعي بامتياز، لقي مصيره تحت أبصار القوم بعد حصار إجرامي كذلك، وآلة عسكرية للعدواستعرضت بغطرسة لا حدود لها، تدمير مقر الرئاسة. أين كانت هذه الحمية والنخوة؟ يقول القوم: إنكم كما إيران توظفون القضية الفلسطينية لتسويق آرائكم وفرض طرحكم المشبوه، متسائلين: ماذا قدمت إيران وانتم للقضية الفلسطينية؟ لنهب أن هذا الرد صحيحا، هل يمكن أن يعرضوا علينا ماذا قدمت أنظمتهم للقضية ذاتها؟ طبعا غير المال الذي يُستتبع بالمنّ والأذى على مدار الساعة، ومبادرة السلام المُتوهم !!!.
ختاما، بالنسبة لنا كإخوة، نرى حالة المشرق العربي في إطارها العام، لوحة درامية تُرسم بلون الدماء وخطوط الأشلاء، للضحايا من ضعفاء الأمة؛ ما يدعوللأسى والحسرة، وأما بالنسبة لبقية الأمم في العالم فهي محل سخرية وتندّر على أنظمة تتآكل، ودول تتفتت وأهلها يرقصون فرحا، ويتفاخرون بهذه الانجاز التعيس البائس.
Post a Comment